التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تجارة الجنس بين مؤيد ومعارض

تتضمّن تجارة الجنس المواد الإباحية، الرقص المثير، الجنس عبر الهاتف، وربما أشياء لم أسمع عنها من قبل. ولكن تركيزنا اليوم منصب على بعض وليس كل أشكال الدعارة. تقوم الدعارة بشكل أساسي على ما يدفعه الرجال للنساء من مال مقابل ممارسة الجنس. وبالرغم من أن بعض المومسات يكونوا رجال أو من المتحولات جنسيًا، إلا أن الغالبية العظمى منهم يقومون على تقديم المتع الجنسية للرجال.

أعتقد كذلك أنه من الخطأ النظر للعملاء المترددين على المومسات بعين الشفقة. فالمترددون هم رجال طبيعيون ذات رغبات جنسية طبيعية. بشكل عام، الدعارة عمومًا عملية معقدة ومتعددة الأوجة. ولا يمكن الوقوف على كافة أشكالها مرة واحدة، لو أردنا حقًا مناقشة القضايا الأخلاقية المتعلقة بها.

يعتبر الوضع القانوني للدعارة الآن مستقر نوعًا ما، خاصة في الولايات المتحدة. ويعود الفضل في ذلك الأمر نسبيًا إلى بعض الحركات النسوية- فالدعارة كانت ضد القانون في القرن العشرين بإستثناء بعض المقاطعات في ولاية نيفادا.

أصبحت الدعارة الآن قانونية في الكثير من البلدان- حتى أن بعض البلدان التي تُشرّع الدعارة قد تكون مفاجأة لك- على سبيل المثال، كندا، معظم أمريكا الوسطى والجنوبية، الهند وتركيا. وبعض الدول قد لا تكون مفاجأة لك مثل استراليا ومعظم دول أوروبا الغربية.

وبالرغم من التقنين الذي شهدته مؤسسات الدعارة في العقود الأخيرة إلا أن هذا التقنين لم يُغيـّر من وضعها الأخلاقي في نظر الناس. مؤسسات الدعارة خطيئة، وشريرة، يُنظر فيها للنساء نظرة دونية بشعة، تلك النظرة التي لا يزال تعاني منها العديد من النساء حول العالم. بعد كل هذا، تُجبر العديد من النساء على ممارسة الدعارة أساسًا. ينتهي المطاف حتى بالعديد من الفتيات إلى العمل في الدعارة قبل أن يُدركن حتى ’’ما هي الدعارة؟‘‘ هناك أيضًا بعض الفتيات يتم بيعهُن كمومسات مِن قِبل أسرهن. كما يتم صيد العديد من الفتيات للدخول في الدعارة بحجج واهية، كما في أوروبا وأمريكا، حيث يتم الإيقاع بالفتيات في إطار مخططات الهجرة غير الشرعية. ومن الجَليّ، أن الكثير من المومسات اللاتي يعملن لدى قوادين، يخضعن لكل مخاطر وقذارة المهنة، فيما يتشارك القواد المكسب دون التعرض لذلك.

ولكن لنفترض أن العاهرات ضُمِنَ لهن أجر عادل، وظروف عمل لائقة، ومعايير عادلة لإدارة شئونهن بشكل ذاتي، هل تكون الدعارة في ظل تلك الظروف أخلاقية؟

يجادل البعض أن الدعارة ستظل لا أخلاقية حتى لو تم تحسين ظروفها وقوانينها، لأن فكرة بيع الجسد في حد ذاتها مهينة. يجادل آخرون إنه طالما لا أحد يتعرض للإيذاء، ولا أحد يتم التلاعب به، كما أن لا أحد يمارس المهنة إجبارًا، ويتلقى الجميع معاملة عادلة، ألا يكون العمل الجنسي مثله مثل أي عمل يُباع فيه المجهود الفكري أو اليدوي؟

يجادل بعض النسويات- وليس جميعهن- أن الدعارة خطأ في جوهرها، لأنها تحط من إنسانية النساء. وتجعلهن سلع للبيع، وهذا مختلف تمامًا عن غيره من أشكال العمل اليدوي والفكري.

لكن ألا يُعامِل الناس بعضهم البعض كسلع في مواضع متعددة غير الدعارة؟ لنفترض أنني توقفت في الشارع وسألت شخص ما عن الاتجاهات. ألا يكون اهتمامي بهذا الشخص هو سبب واحد أنه يُعتبر بالنسبة لي
GPS (نظام تحديد المواقع).

يدعي بعض الناس أن الحال مختلف بالنسبة للجنس. فبينما يُعتبر الجنس شارع ذات اتجاهين. تجعل الدعارة الجنس شارع ذات اتجاه واحد. فيحول ما يُعتبر حميمي ومتبادل إلى شيء بارد وميكانيكي.

ولكن ألا يجعل هذا الرأي من الجنس غير التجاري مثالي ورومانسي للغاية؟ بالتأكيد، يجب للجنس غير التجاري أن يكون حميمي ومتبادل، شارع ذات اتجاهين، مُرضي على المستوى الروحي للطرفين. لكن العديد مِن الممارسات الجنسية ’’غير التجارية‘‘ لا تصل لهذا المستوى. يحصل الرجال على الجنس عادة بإقناع النساء أنهم مهتمون بأمرهم. كما أن العديد من النساء يمارسن الجنس لأن الرجل فقط مشهور أو ثري. يجادل البعض أن الدعارة مقارنة بهذه الأشكال للجنس ’’غير المثالي‘‘ تعتبر أكثر صدقًا ووضوحًا.

لدينا هنا موقفان. واحد يذهب إلى أن الدعارة مهينة بطبيعتها وأن جوهرها ينطوي على التسلع والتشيؤ، لذا فهي مرفوضة، حتى لو أصبحت آمنة بلا استغلال للعاملات. يذهب الموقف الآخر إلى أنها لو أصبحت آمنة دون استغلال للعاملات، ستكون مثلها مثل أي صفقة تجارية عادلة تُحفظ فيها كرامة البائعة للخدمات الجنسية.

"Slave Market in Rome" 1884 (detail) by Jean-Léon Gérôme (1824 - 1904) a French painter.

______________________________________________________________
هذا المقال مترجم عن موقع
Philosophytalk نشر تحت عنوان Sex Trade
_____________________________________________________________

جون بيري هو أستاذ الفلسفة في جامعة كاليفورنيا، وأستاذ فلسفة فخري في جامعة ستانفورد،وعضو في الأكاديميةالأمريكية للفنون والعلوم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الكون مكتوب بلغة الرياضيات؟

لطالما استخدم العلماء الرياضيات في التعبير عن الخصائص الفيزيائية للكون.. لكن ماذا لو أن الكون بأسره بناء رياضي! هذا ما يؤمن به عالم الكونيات ماكس تيجمارك. يرى تجمارك أن كل شيء في الكون، بما في ذلك الإنسان، هو جزء مِن بناء رياضي ( mathematical structure )، قد يرى المرء أن المادة مكوَنة من جزيئات وأن للجزيئات خصائص مثل الشحنة الكهربائية والحركة، لكن تجمارك يجادل بأن هذه الخصائص هي محض رياضيات. كذلك الكون، أحد خصائصه الأبعاد، إلا إنه محض بناء رياضي. ’’لو بدأت في النظر للكون بكل ما يحتويه على إنه محض بناء رياضي، وأن لا خصائص له سوى الخصائص الرياضية. ستبدو فكرة أن كل شيء "رياضي" أقل جنونًا‘‘ .. يقول تجمارك في لقاء له اعتمادًا على كتابه "عالمنا الرياضي: سعيي لفهم طبيعة الواقع" ( Our Mathematical Universe:   My Quest For The Ultimate Nature Of Reality ) يقول تجمارك ’’لو أن أفكاري خاطئة، فإن الفيزياء ستُسحق كليًا.‘‘ مضيفًا ’’لكن لو أن الكون كله محض رياضيات، لن يكون هناك شيء عصيّ على الفهم.‘‘ Photo Credit الطبيعة مكتوبة بلغة الرياضيات.. يقوم هذا الاستنتا

جون بيري: العدميّة وأزمة المعنى

لفظ عدمية ’ Nihilism ‘ مشتق أساسًا من الكلمة اللاتينية ’ Nihil ‘ والتي تعني لاشيء. يستخدم اللفظ في عدة مواضع في الفلسفة. بمعنى: لا يوجد شيء على الإطلاق.. أو لا يوجد مباديء أخلاقية على الإطلاق.. وكل ما يُساق من لفظ ’’اللاشيء‘‘ فهو عدمي. إلا أن الاستخدام الأكثر شيوعًا، والمستخدم على نطاق واسع اليوم، هو أن لا شيء نستخدمه، نبدعه أو نحبه له أي معنى أو قيمة على الإطلاق. العدمية بشكل عام ليست مجرد تعريف لموقف فلسفي معين، بل تعبير عن ميل عام، وعن حالة من الأسى: هل هذا كل شيء؟ هل الإنسانية ليست سوى عدد من السنين لا قيمة لها على كوكب لا يميزه أي شيء عن غيره في كون لا يُلقي لنا بالًا؟ هل لأي شيء قيمة؟ بالنسبة للعديد من الناس هذه الأسئلة ليست مجرد طرح فلسفي بل وجهة نظر حداثية للإنسانية كجزء ضئيل للغاية من الكون ككل.. كما يدعي العلم. في البداية ظهرت العدمية في المعاجم الفلسفية باعتبارها ’’اتهام‘‘. لم تبدأ كغيرها من المناهج الفلسفية بأن يقول أحد الفلاسفة ’’أنا عدمي‘‘ بل ’’أنت عدمي‘‘ كاتهام. وشعر البعض أنه لو صح ما قاله البعض الآخر من الفلاسفة حول العدمية.. فسيكون كل شيء بلا معنى. في

العدمية الأخلاقية

العدمية الأخلاقية هي اتجاه فلسفي متجاوز للأخلاق باعتبار أن كل الادعاءات الأخلاقية ليست صحيحة بشكل عام. تذهب العدمية الأخلاقية إلى أنه ليس هناك حقائق أخلاقية موضوعية أو افتراضات صحيحة – لا يمكن تصنيف شيء ’’أخلاقيا‘‘ على إنه جيد أو سيء، صح أو خطأ، ... إلخ – لأنه ببساطة لا يوجد حقائق أخلاقية (مثال على العدمية الأخلاقية, أن نقول أن القتل ليس خطأ، لكنه ليس صحيح أيضًا). تختلف العدمية الأخلاقية عن القناعات الأخلاقية الذاتية، والقناعات الأخلاقية النسبية، التي تكون فيها القضايا الأخلاقية صح أو خطأ بشكل غير موضوعي، في الواقع تذهب العدمية الأخلاقية إلى عدم وضع أي حكم أخلاقي ثابت بشأن أي قضية أخلاقية. الانتقادات الموجة للعدمية الأخلاقية تأتي في المقام الأول من المذاهب الأخلاقية الواقعية مثل الأخلاقية ال طبيعية و الأخلاقية غير طبيعية ، واللاتي تجادل بأن هناك حقائق أخلاقية إيجابية. العدمية الأخلاقية بشكل ما تعتبر نتاج النظرة المتجاوزة للعدمية. تُقدم فلسفة نيكولا ميكافيللي أحيانًا على إنها نموذج للعدمية الأخلاقية، لكن يجب وضع هذا الادعاء موضع فحص لأن ميكافيللي نفسه لم يكن