التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل الكون مكتوب بلغة الرياضيات؟



لطالما استخدم العلماء الرياضيات في التعبير عن الخصائص الفيزيائية للكون.. لكن ماذا لو أن الكون بأسره بناء رياضي! هذا ما يؤمن به عالم الكونيات ماكس تيجمارك.

يرى تجمارك أن كل شيء في الكون، بما في ذلك الإنسان، هو جزء مِن بناء رياضي (
mathematical structure)، قد يرى المرء أن المادة مكوَنة من جزيئات وأن للجزيئات خصائص مثل الشحنة الكهربائية والحركة، لكن تجمارك يجادل بأن هذه الخصائص هي محض رياضيات. كذلك الكون، أحد خصائصه الأبعاد، إلا إنه محض بناء رياضي.

’’لو بدأت في النظر للكون بكل ما يحتويه على إنه محض بناء رياضي، وأن لا خصائص له سوى الخصائص الرياضية. ستبدو فكرة أن كل شيء "رياضي" أقل جنونًا‘‘ .. يقول تجمارك في لقاء له اعتمادًا على كتابه "عالمنا الرياضي: سعيي لفهم طبيعة الواقع" (
Our Mathematical Universe:  My Quest For The Ultimate Nature Of Reality)

يقول تجمارك ’’لو أن أفكاري خاطئة، فإن الفيزياء ستُسحق كليًا.‘‘ مضيفًا ’’لكن لو أن الكون كله محض رياضيات، لن يكون هناك شيء عصيّ على الفهم.‘‘
Photo Credit


الطبيعة مكتوبة بلغة الرياضيات..
يقوم هذا الاستنتاج على فكرة أن الطبيعة مليئة بالأنماط، مثل متتالية فيبوناتشي، حيث كل عدد هو نتاج مجموع العددين السابقين له. على سبيل المثال، فإن الخرشوف يُثمر عندما تكون المسافة في الأرض بين كل بذرة والأخرى متطابقة مع أرقام المتتالية.

ينطبق نفس المبدأ على عوالم غير الأحياء، فلو رميت كرة بسيبول في الهواء ستتبع مسار شديد المحاكاة لمسار الكواكب والأجرام السماوية في مداراتها البيضاوية.

’’تكشف الأنماط والأشكال الرياضية للطبيعة عن بساطة شديدة الجمال والأناقة، وتستطيع عقولنا رؤية هذا جليّ،‘‘ يقول تجمارك الذي يحب الرياضيات لدرجة إنه وضع صور المعادلات الشهيرة في غرفة معيشته. 

من الناحية النظرية، سيُمكن التعامل مع الكون ككيان رياضي العلماء من توقع كل ملاحظة وقياس في الفيزياء. يشير تجمارك إلى أن الرياضيات توقعت بشكل نظري وجود كوكب نبتون، كما استطعنا حساب كتلة الجسيمات عن طريق موجات الراديو وجسيم بوزون هيجز.

يرى البعض أن الرياضيات ما هي إلا أداة اخترعها العلماء لتفسير العالم الطبيعي. ولكن بالنسبة لتجمارك الكيان الرياضي المؤسس للعالم الطبيعي يؤكد أن الرياضيات موجودة كواقع وليست في خيال الإنسان فقط.

وبالحديث عن العقل البشري هل نستطيع استخدام الرياضيات في فهم دماغ الإنسان؟

رياضيات الوعي..
يتم وصف دماغ الإنسان على أنه أكثر الكيانات تعقيدًا في الكون بأسره. في الواقع، قام العقل البشري بطفرات عظيمة في فهم عالمنا.

يقول تجمارك، يوما ما، سيتمكن العلماء من شرح العقل الواعي باستخدام الرياضيات، مستشهدًا بعبارة كارل ساجان، "الدماغ البشري عبارة عن نطاق واسع للغاية، في مساحة صغيرة جدا". (
The brain is a very big place in a very small space)

’’أليس الوعي هو ما تشعر به المعطيات لدينا عندما يتم معالجتها بطرق معقدة معينة،‘‘ يقول تجمارك، الذي يشير إلى أن العديد من القفزات العلمية في الفيزياء جاءت بالنظر بعين التجانس بين أمور لطالما ظننا أنها منفصلة: مثل الطاقة والمادة، الفضاء والوقت، الكهرباء والمغناطيسية. يتوقع تجمارك كذلك أن العقل، وهو الشعور الواعي بالذات، سيتم النظر له بعين التجانس مع الجسد كمجموعة من الجزيئات المتحركة.

لكن إذا كان الدماغ البشري محض رياضيات، فهل يعني هذا أن إرادة الإنسان الحرة لا وجود لها، لأن حركة الجسيمات يمكن حسابها بالمعادلات؟ ليس بالضرورة، يقول تجمارك.

يمكن توضيح هذا الأمر بمثال بسيط، لو أن حاسب آلي حاول محاكاة أحد الأفعال البشرية، فسيستغرق تقريبا نفس الفترة التي يستغرقها الإنسان للقيام بالفعل. لذلك، يرى بعض الناس أن الإرادة الحرة ما هي إلا قدرة المرء على التنبؤ بأفعال الآخريين قبل وقوعها.

’’لكن هذا لا يعني أن البشر عاجزون،‘‘ يختم تجمارك حديثه بدعوة للعمل: ’’البشر ليس فقط لديهم القدرة على فهم عالمنا، لكن على تشكيله وتحسينه أيضًا.‘‘
______________________________________________________________________





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جون بيري: العدميّة وأزمة المعنى

لفظ عدمية ’ Nihilism ‘ مشتق أساسًا من الكلمة اللاتينية ’ Nihil ‘ والتي تعني لاشيء. يستخدم اللفظ في عدة مواضع في الفلسفة. بمعنى: لا يوجد شيء على الإطلاق.. أو لا يوجد مباديء أخلاقية على الإطلاق.. وكل ما يُساق من لفظ ’’اللاشيء‘‘ فهو عدمي. إلا أن الاستخدام الأكثر شيوعًا، والمستخدم على نطاق واسع اليوم، هو أن لا شيء نستخدمه، نبدعه أو نحبه له أي معنى أو قيمة على الإطلاق. العدمية بشكل عام ليست مجرد تعريف لموقف فلسفي معين، بل تعبير عن ميل عام، وعن حالة من الأسى: هل هذا كل شيء؟ هل الإنسانية ليست سوى عدد من السنين لا قيمة لها على كوكب لا يميزه أي شيء عن غيره في كون لا يُلقي لنا بالًا؟ هل لأي شيء قيمة؟ بالنسبة للعديد من الناس هذه الأسئلة ليست مجرد طرح فلسفي بل وجهة نظر حداثية للإنسانية كجزء ضئيل للغاية من الكون ككل.. كما يدعي العلم. في البداية ظهرت العدمية في المعاجم الفلسفية باعتبارها ’’اتهام‘‘. لم تبدأ كغيرها من المناهج الفلسفية بأن يقول أحد الفلاسفة ’’أنا عدمي‘‘ بل ’’أنت عدمي‘‘ كاتهام. وشعر البعض أنه لو صح ما قاله البعض الآخر من الفلاسفة حول العدمية.. فسيكون كل شيء بلا معنى. في

العدمية الأخلاقية

العدمية الأخلاقية هي اتجاه فلسفي متجاوز للأخلاق باعتبار أن كل الادعاءات الأخلاقية ليست صحيحة بشكل عام. تذهب العدمية الأخلاقية إلى أنه ليس هناك حقائق أخلاقية موضوعية أو افتراضات صحيحة – لا يمكن تصنيف شيء ’’أخلاقيا‘‘ على إنه جيد أو سيء، صح أو خطأ، ... إلخ – لأنه ببساطة لا يوجد حقائق أخلاقية (مثال على العدمية الأخلاقية, أن نقول أن القتل ليس خطأ، لكنه ليس صحيح أيضًا). تختلف العدمية الأخلاقية عن القناعات الأخلاقية الذاتية، والقناعات الأخلاقية النسبية، التي تكون فيها القضايا الأخلاقية صح أو خطأ بشكل غير موضوعي، في الواقع تذهب العدمية الأخلاقية إلى عدم وضع أي حكم أخلاقي ثابت بشأن أي قضية أخلاقية. الانتقادات الموجة للعدمية الأخلاقية تأتي في المقام الأول من المذاهب الأخلاقية الواقعية مثل الأخلاقية ال طبيعية و الأخلاقية غير طبيعية ، واللاتي تجادل بأن هناك حقائق أخلاقية إيجابية. العدمية الأخلاقية بشكل ما تعتبر نتاج النظرة المتجاوزة للعدمية. تُقدم فلسفة نيكولا ميكافيللي أحيانًا على إنها نموذج للعدمية الأخلاقية، لكن يجب وضع هذا الادعاء موضع فحص لأن ميكافيللي نفسه لم يكن